فصل: فصل: الوجه الثاني عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.فصل: (نظير هذا ما نقوله ورضوا ترجمته في نبوة حبقوق):

ونظير هذا ما نقوله ورضوا ترجمته في نبوة حبقوق (جاء الله من التين، وظهر القدس على جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد، وملك بيمينه رقاب الأمم، وأنارت الأرض لنوره، وحملت خيله في البحر) قال ابن قتيبة: وزاد فيه بعض أهل الكتاب (وستنزع في قسيك أعراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء) وهذا إفصاح باسمه وصفاته، فإن ادعوا إنه غيره فمن أحمدن هذا الذي امتلأت الأرض من تحميده، الذوي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم؟!!
فصل: ومن ذلك وهو:

.الوجه السادس:

قوله في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة: (إن هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت؟ وإلى أين تريدين؟ فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه إسماعيل؛ لأن الله قد سمع ذلك وخضوعك، وولدك يكون وحش الناس، يده فوق يد الجميع، ويد الكل به، ويكون مسكنه على تخوم جميع إخوته) قال المستخرجون لهذه البشارة: معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن فوق أيدي بني إسحاق؛ بل كان في أيدي بني إسحاق النبوة والكتاب، وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد، ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى من أعز أهل الأرض ولم يكن لأحد عليهم يد؛ ولذلك كانوا مع يوشع إلى زمن داود وملك سليمان الملك الذي لم يؤت أحدا مثله فلم يكن يد بني إسماعيل عليهم، ثم بعث الله المسيح فكفروا به وكذبوه فدمر عليهم تكذيبهم إياه وزال ملكهم ولم يقم لهم بعده قائمة، وقطعهم الله في الأرض أمما، وكانوا تحت حكم الروم والفرس وقهرهم، ولم يكن يد ولد إسماعيل عليهم في هذا الحال، ولا كانت فوق يد الجميع إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته وأكرمه الله بنبوته فصارت بمبعثه يد بني إسماعيل فوق الجميع، فلم يبق في الأرض سلطان أعز من سلطانهم بحيث قهروا سلطان فارس والروم والترك والديلم، وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والصابئة وعباد الأصنام، فظهر بذلك تأويل قوله في التوراة (ويكون يده فوق يد الجميع، ويد الكل) وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر. قالت اليهود: نحن لا ننكر هذا؛ ولكن إن هذه بشارة بملكه وظهوره وقهره لا برسالته ونبوته. قالت المسلمون: الملك ملكان ملك ليس معه نبوة بل ملك جبار متسلط، وملك نفسه نبوة؛ والبشارة لم تقع بالملك الأول؛ ولا سيما أن ادعى صاحبه النبوة والرسالة وهو كاذب مفتر على الله فهو من شر الخلق وأفجرهم وأكفرهم، فهذا لا تقع البشارة بملكه وإنما يقع التحذير من فتنته كما وقع التحذير من فتنة الدجال، بل هذا شر من سنجاريب وبخت نصر والملوك الظلمة الفجرة الذين يكذبون على الله، فالأخبار لا تكون بشارة، ولا تفرح به هاجر وإبراهيم، ولا بشر أحد بذلك، ولا يكون ذلك إثابة لها من خضوعها وذلها وأن الله قد سمع ذلك ويعظم هذا المولود ويجعله لأمة عظيمة، وهذا عند الجاحدين بمنزلة أن يقال (إنك ستلدين جبارا ظالما طاغيا يقهر الناس بالباطل، ويقتل أولياء الله، ويسبي حريمهم، ويأخذ أموالهم بالباطل، ويبدل أديان الأنبياء، ويكذب على الله)، ونحو ذلك فمن حمل هذه البشارة على هذا فهو من أعظم الخلق بهتانا وفرية على الله؛ وليس هذا بمستنكر لأمة الغضب، وقتلة الأنبياء، وقوم البهت.

.فصل: (الوجه السابع):

قول داود في الزبور: (سبحوا الله تسبيحا جديدا، وليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته وأعطاه النصر، وسدد الصالحين بالكرامة يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين، ولينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود، وأشرافهم بالأغلال) وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد وأمته، فهم الذين يكبرون الله بأصواتهم مرتفعة في آذانهم للصلوات الخمس وعلى الأماكن العالية، قال جابر: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا، فوضعت الصلاة على ذلك» وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الآذان، وفي عيد الفطر، وعيد النحر، وفي عشر ذي الحجة، وعقيب الصلوات في أيام منى، وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المجسد فيكبرون بتكبيره، فيسمعهم أهل الأسواق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرها، ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم، وعند رمي الجمار، وعلى الصفا والمروة، وعند محاذاة الحجر الأسود، وفي أدبار الصلوات الخمس، وليس هذا لأحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم؛ فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق، والنصارى بالناقوس. وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله وأمته وقوله (بأيديهم سيوف ذات شفرتين) فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة بها البلاد، وهي إلى اليوم معروفة لهم وقوله (يسبحون على مضاجعهم) هو نعت للمؤمنين {الَّذَينَ يَذكُرونَ اللَهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنُوبِهِم} ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم؛ فإنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم والنصارى تعيب من يقاتل الكفار بالسيف؛ وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى قاتل الكفار، وبعده يوشع بن نون، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء، وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

.فصل: (الوجه الثامن):

قول داود: (من أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار السيف، لأن البهاء لوجهك، والحمد الغالب عليك، أركب كلمة الحق، وسبحت التأله؛ فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونة، والأمم يخرون تحتك) وليس متقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خرت الأمم تحته، وقرنت شرائعه بالهيبة: أما القبول وإما الجزية، وإما السيف وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم «نصرت بالرعب مسيرة شهر» وقد أخبر داود أن له ناموسا وشرائع، وخاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته وقهره لأعداء الله؛ بخلاف المستضعف المقهور، وهو صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ونبي الملحمة، وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، بخلاف الأذلاء المقهورين المستكبرين، الذين يذلون لأعداء الله ويتكبرون عن قبول الحق.

.فصل: (الوجه التاسع):

قول داود في مزمور آخر (إن الله سبحانه أظهر من صهيون إكليلا محمودا) وضرب الإكليل مثلا للرياسة والإمامة، ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في صفته (ويحوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وإنه لتخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، وتلحس أعداؤه التراب تأتيه ملوك الفرس وتسجد له، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، ويخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ويرأف بالمساكين والضعفاء ويصلي عليه في كل وقت ويبارك) ولا يشك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته لا على المسيح ولع على نبي غيره، فإنه حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي، ومن لدن الأنهار جيحون وسيحون والفرات إلى منقطع الأرض بالغرب، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» وهو الذي يصلي عليه ويبارك في كل حين وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها، وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه: أهل جزيرة العرب، وأهل الجزيرة التي بين الفرات ودجلة، وأهل جزيرة الأندلس، وأهل جزيرة قبرص، وخضعت له ملوك الفرس فلم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون؛ بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ولم يؤد الجزية؛ فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة، ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته؛ فهم بين مؤمن به ومسالم له ومنافق معه وخائف منه، وإنقاذ الضعفاء من الجبارين؛ وهذا بخلاف المسيح فإنه لم يتمكن هذا التمكن في حياته، ولا من اتبعه بعد رفعه إلى السماء، ولا حازوا ما ذكر، ولا يصلون عليه ويباركون في اليوم والليلة؛ فإن القوم يدعون إلاهيته سدس ويصلون له.
فصل:

.الوجه العاشر:

قوله في مزمور آخر لترتاح البوادي وقراها ولتصير أرض قيذار مروجا ولتسبح سكان الكهوف ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب، ويذيعوا تسابيحه في الجو فمن أهل البوادي من الأمم سوى أمة محمد، ومن (قيذار) غير ولد إسماعيل أحد أجداده صلى الله عليه وسلم؟! ومن سكان الكهوف وقلل الجبال سوى العرب؟! ومن هذا الذي دام ذكره إلى الأبد غيره؟!.

.فصل: (الوجه الحادي عشر):

قوله في مزمور آخر: (إن ربنا عظم محمودا) وفي مكان آخر (إلهنا قدوس ومحمد قد عم الأرض كلها فرحا) فقد نص داود على اسم محمد وبلده كلمته قد عمت الأرض.

.فصل: الوجه الثاني عشر:

قوله في الزبور لداود: (سيولد لك ولد أدعى له أبا ويدعى لي ابنا اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس إنه بشر) وهذه أخبار عن المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهما بزمن طويل، يريد ابعث محمدا حتى يعلم الناس أن المسيح بشر ليس إلها، وأنه ابن البشر لا ابن خالق البشر، فبعث الله هادي الأمة وكاشف الغمة فبين للأمم حقيقة أمر المسيح عبد كريم ونبي مرسل؛ لا كما ادعته فيه النصارى ولا كما رمته به اليهود.

.فصل: (الوجه الثالث عشر):

قوله في نبوة أشعيا: (قيل لي قم نظارا فانظر ما ترى تخبر به، قلت أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما لصاحبه سقطت بابل وأصنامها للبحر) وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليهما، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار، وبمحمد صلى الله عليه وسلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح، ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد إبراهيم الخليل إلى أن سقطت بمحمد صلى الله عليه وسلم.

.فصل: الوجه الرابع عشر:

قوله في نبوة أشعيا إنه قال عن مكة: (ارفعي إلى ما حولك بصرك، فستبهجين وتفرحين من أجل أن الله تعالى يصير إليك ذخائر البحر، وتحج إليك عساكر الأمم، حتى تعم بك قطر الإبل المؤبلة، وتضيق أرضك عن المقطرات التي تجتمع إليك، وتساق إليك كباش مدين، ويأتيك أهل سبأ وتسير إليك أغنام فاران، وتخدمك رجل نباوت) يريد سدنة الكعبة وهم أولاد نبت ابن إسماعيل، قالوا فهذه الصفات كلها حصلت لمكة، فإنها حملت إليها ذخائر البحر، وحج إليها عساكر الأمم، وسيق إليها أغنام فاران هدايا وأضاحي وقرابين، وضاقت الأرض عن قطرات الإبل المؤبلة الحاملة للناس وأزوادهم، وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن.

.فصل: الوجه الخامس عشر:

قول أشعيا في مكة أيضا: (وقد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح إني أغرق الأرض بالطوفان إني لا أسخط عليك ولا أرفضك، وإن الجبال تزول وأن التلاع تنحط ورحمتي عليك لا تزول، ثم قال: يا مسكينة، يا مضطهدة! ها أنا ذا بأن بالحسن حجارتك، ومزاينك بالجواهر، ومكلل باللؤلؤ سقفك وبالزبرجد أبوابك، وتبعدين من الظلم فلا تخافي، ومن الضعف فلا تضعفي، وكل سلاح يصنعه صانع فلا يعمل فيك، وكل لسان ولغة تقوم معك بالخصومة تفلحين معها، ويسميك الله اسما جديدا- يريد أنه سماها المسجد الحرام- فقومي فأشرقي فإنه قد دنا نورك وقار الله عليك، انظري بعينيك حولك، فإنهم مجتمعون يأتونك بنوك وبناتك عدوا فحينئذ تشرقين وتزهرين، ويخاف عدوك، وليتسع قلبك، وكل غنم قيذار تجتمع إليك، وسادات نباوت يخدمونك) و (نباوت) هم أولاد نبت بن إسماعيل (وقيذار) جد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو بنت ابن إسماعيل. ثم قال: (وتفتح أبوابك الليل والنهار لا تغلق، ويتخذونك قبلة، وتدعين بعد ذلك مدينة الربط).